الجمعة، 26 ديسمبر 2008

أيزو...!!

لم أكن أصدق نفسي..أخيرا سيكون لنا مستقبل بهذه الكلية..
كنت أقرأ لوحة المشروع.. والحروف الضخمة التي كتب بها..
" مشروع تطوير التعليم في كلية الطب "
وأشعر بفخر شديد .. وقد أخذت الأحلام تراودني.. أحلام اليقظة.. وأحلام النوم..وأحلام حقيقية مرعبة..!!
كنت أحلم بالمستقبل المشرق بكثافة غير عادية..عندما أتأخر في الاستيقاظ صباحا أكون في حلم.. عندما أحلق ذقني , أنظر في المرآة وتشرد نظراتي ,أكون في حلم.. وتكون النتيجة جرح غائر كأنما كنت مع كفار قريش..
وعندما تناديني أمي لأفعل شيئا ما..أعتذر قائلا أني في حلم..لدرجة أنني كنت أقف ذات مرة مع زميلتي العزيزة.. لاحظت علامات الشرود على وجهي..فسارعت قائلا أنني كنت أحلم بالمستقبل.. ابتسمت..واحمر وجهها خجلا من كلماتي..
مسكينة.. !!
المهم أنني من شدة فرحتي , خاطبت صديقي الأجنبي عبر برنامج الشات.. وقد بعثت هذه الأحلام شعورا بالقوة والثقة بداخلي..أخبرته عن هذه الخطوة الجبارة , وكيف ستكون لنا الريادة في العالم كله.. فبعث إلي برسالة تهنئة رقيقة , لم أفهمها في الواقع.. ما علينا.. إنها نظرية المؤامرة.. !!

******
قابلت "عليش" .. صديقي الوفي , الذي اختار تنسيقه في كلية طب عين شمس , بينما اخترته أنا هنا , لإعتبارات سياسية..
يومها قال لي شيئا ما عن الحمار الذي لا يرى أذنيه الطويلتين.. أو شيئا من هذا القبيل..!
قابلته هذه المرة بترفع , وبنبرة اشمئناط.. قال لي بانكسار..
- ازيك..
لم أرد طبعا.. دي أيزو يارجالة.. أيزو !!
تابع هو بنفس اللهجة..
- صحيح أخبار الأيزو دي !؟
- طبعا مش قادر تصدق.. يابني المكان ده هيتحول لحاجة تانية , بقدرة قادر..
مستشفيات إيه..دكاترة إيه.. أقسام إيه.. معامل إيه.. !
- ياسلام..!
- أمال يابني..تصور إن فيه أمراض جديدة ناويين نكتشفها.. إشي "امتيازوما".. إشي "امتيازأوزز".. وإشي "امتيازأيتس" ..شغل يابني !!
- مش ممكن..!
- طيب عارف .. فيه دراسة جديدة بيعملوها دلوقت , بتتكلم عن جينات الذكاء وعلاقة الوراثة بموضوع أولاد الدكاترة اللي بيطلعوا الأوئل كل سنة..!
- ............!!!؟
- أيوة.. وطبعا انسى بقى الشيتات اللي بننقلها من بعض.. والأبحاث المضروبة.. والواسطة..وامتحانات العملي النصب بتاعة الباطنة..خلاص..!
ارتجفت شفتا "عليش" تأثرا..وجاهد ليقول..
- ممكن.. ممكن.. بعد كل ده.. ممكن نفضل أصحاب ؟!
- ازاي تقول الكلام ده يا "عليش" ؟ .. أنا من دلوقت ولحد يوم الحساب.. مش عايز أشوف وشك تاني.. ياللا يا جزمة !!

******
أخذت أروج بحماس لفكرة الأيزو..
فقلت هذا الموضوع لخالتي " فوقية " ففرقعت ( زغروتة ) , وقالت لي بسعادة..
- عقبال ما أشوفك معلقه في صدرك وانت مع عروستك..!
وهنا أطلت عروستي.. أقصد بنت خالتي.. وابتسمت..
مسكينة..!!
ولما ركبت تاكسي..( بقولك أيزو يا عم ! ) أخبرت السائق , فضيق عينيه في ذكاء قائلا..
- زي كفروتكس , بتاع الصراصير.. مش كدة برضك يابيه ؟!
صراصير؟!!
ما علينا..
ده حتى الواد البلطجي اللي في شارعنا، لما طلع المطوة في وشي , وقاللي اعلى بالمحفظة ياض.. بصيت ليه بكبرياء , وقلت له إني معايا الأيزو..
صحيح إنه قعد يفتش فيا عن الأيزو ده.. وفي الآخر روحت بالملابس ال......إحم...!
بس مش مهم.. كله يهون , علشان خاطر الأيزو..!!

******
وذهبت أيام.. وجاءت أيام.. وهدأ الموضوع قليلا..
و عندما كنت ذاهبا لكي أدفع المصاريف – التي أصبحت بمعجزة ما ضعف السنة الماضية – فوجئت بلوحة أنيقة.. قرأتها , فذهلت..! كانت هذه شهادة الأيزو..!!
الله ..؟!
أمال فين لجنة الدكاترة الأجانب.. والدكتورة أم شعر أحمر , وبنطلون من غير
كم ..؟! فين لجنة الطلبة المشاركة ؟ وفين ميثاق المشروع ؟!
الله.. ؟!
احنا بناخد على قفانا واللا إيه ؟!
ما علينا.......
المهم إن أحنا أخدنا الأيزو...!!

******
بعد ثلاث سنوات من بداية المشروع..لا زالت الكلية كما هي..
لا معامل.. ولا دكاترة.. ولاطلبة..!!
امبارح الدكتور في امتحان النساء, إدى الواد ابن زميله خمسة وستين من ستين.. وسيد لسه ناقل شيتات الأطفال من محمود.. وأنا كنت قاعد من ساعتين على النت , باضرب البحث.. ولما قابلت الواد "عليش" من شهر كده .. بص ليا باحتقار.. وقاللي.. ياللا يابتاع الأيزو.. ياجزمة !!
الله..؟!
هو إيه الموضوع..؟
احنا أخدنا الأيزو ده ازاي بالظبط ؟!!
فوزي الخرطوم